logo

الأخبار

الأخـــــــبار

مستقبل الدولار ومصير العولمة في عالم متحوّل: قراءة نقدية في موازين القوى الاقتصادية والسياسية

 
تحرير وترجمة: هدى ندا

في يوم الاثنين الموافق 12 مايو 2025، وتحت رعاية السيد الأستاذ الدكتور/ محمد سامي عبد الصادق، رئيس جامعة القاهرة، وبإشراف الأستاذة الدكتورة/ حنان محمد علي، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، نظم مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية ندوة بعنوان "مستقبل الدولار ومصير العولمة".

افتتحت الأستاذة الدكتورة/ عادلة رجب، رئيس مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية، الندوة بكلمات شكر للحضور الكريم، الذين شاركوا بحضورهم سواء في مقر كلية الاقتصاد والعلوم السياسية أو عبر منصة "جوجل ميت". كما رحّبت بضيفيها العزيزين: الأستاذ الدكتور/ جودة عبد الخالق، أستاذ الاقتصاد بالكلية ووزير التضامن والعدالة الاجتماعية الأسبق، والأستاذ الدكتور/ حسن علي، أستاذ الاقتصاد الفخري بجامعة أوهايو وجامعة النيل. وخصصت عدة دقائق لتعريف الحضور بهما، واستعراض بعض من إنجازاتهما العلمية والعملية. ثم تطرقت الدكتورة عادلة إلى طرح أهم المحاور التي ستدور حولها الندوة، والتي جاءت على النحو التالي: سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والسياسات التجارية وتأثيرها المباشر على الدولار، مستقبل هيمنة الدولار: هل سيستمر كعملة مهيمنة أم سيحل محله الين الصيني، أو إحدى العملات الأوروبية، أو ربما عملة أوروبية موحدة؟ وأخيرا مصير العولمة وإمكانية تفكك نظام القطبين العالمي (الولايات المتحدة وروسيا).

بدأ الأستاذ الدكتور حسن علي بكلمات شكر للمركز والكلية وجامعة القاهرة بصفة عام، ثم رحب بالسادة الحضور. استهل حديثه عن وضع الدولار وهيمنته، حيث أشار إلى أن أكثر من 60% من المعاملات التجارية تتم بالدولار، بينما يتم 20% منها باليورو، والنسبة المتبقية تتم بباقي العملات. كما أضاف أن البنوك المركزية، تتخذ الدولار عملة احتياطية. ثم تحدث عن الصفات التي يجب توافرها في العملة لتصبح عملة احتياطية، وهي:

1.      الثقة الدولية والاستقرار الاقتصادي والسياسي: كان الدولار في العقود السابقة يُستبدل بالذهب أو الفضة

  1. السيولة العالية: الدولار يتمتع بقدرة عالية على التداول في الأسواق العالمية.

  2. القانون المؤسسي والدولي: يتمثل ذلك في قبول المؤسسات الدولية والبنوك المركزية للعملة كجزء رئيسي من احتياطاتها واستخدامها في تسعير السلع والمعاملات الدولية.

  3. اقتصاد الدولة التي تصدر العملة يجب أن يكون كبيرًا ومتنوعًا: الولايات المتحدة، وفقًا للقيمة الاسمية، تعد أكبر اقتصاد في العالم، بينما الصين تعد أكبر اقتصاد عالمي وفقًا لقوة الشراء، وهي ثاني أكبر اقتصاد من حيث القيمة الاسمية.

  4. الشفافية والحوكمة: يعتبر البنك المركزي الأمريكي (الفيدرالي) هو الأكثر شفافية وحوكمة في العالم، حيث يتم تعيين رئيس الفيدرالي لمدة 14 سنة، مما يحميه من التقلبات السياسية. كما يتميز الفيدرالي عن باقي بنوك العالم في أن البنك المركزي عادةً ما يكون مملوكًا للحكومة، بينما الفيدرالي يمتلكة البنوك التجارية التي تساهم بنسبة 6% فيه.

6.      كون العملة ملاذًا آمنًا: في أوقات الحروب والأزمات، تلجأ الدول إلى الدولار

7.      القدرة على التحويل الحر: يعد الدولار من العملات القابلة للتحويل بسهولة في أي مكان في العالم.

 

إجابة على سؤال "لماذا تحرص أمريكا على أن يكون الدولار العملة الاحتياطية العالمية؟"، أوضح الدكتور حسن أن السبب هو أن التكلفة الفعلية لطباعة الـ 100 دولار تقارب 40 سنتًا. وأن تقريبًا نصف عرض النقود الذي تصدره أمريكا يوجد خارج الولايات المتحدة ولا يتم تداولها داخلها. أي أن حوالي 52% من العرض النقدي الأمريكي يتم استخدامه في التبادلات العالمية، مما يعد ربحًا خالصًا للولايات المتحدة. وأضاف أن هذه الفائدة الضخمة التي تعود على الاقتصاد الأمريكي من قبول دول العالم للدولار كعملة احتياطية أساسية تجعل من غير المرجح أن تتنازل أمريكا عن مكانتة الدولار.

شاركنا الدكتور حسن إحدى مقالاته التي كتبها بأمريكا عام 2006، والتي تناول فيها المشكلة الأساسية التي كانت تعاني منها أمريكا في ذلك الوقت، وهي أن معدل الادخار كان بالسالب. وعلى الرغم من ذلك كان هناك استثمار. ولكن من أين جاء هذا الاستثمار؟ جاء من الفوائض التي تأتي من الدول الأخرى، مثل الفوائض الناتجة عن شراء الدول لسندات بالدولار. كما أضاف أنه بعد أن تصاعد معدل الادخار ليصل إلى 7-8% من الناتج المحلي الإجمالي، انحدر مرة أخرى، وهو ما يعتبر أساس المشكلة التي تعاني منها أمريكا حاليًا. يرى ترامب أن هناك عجزًا في الميزان التجاري، وهو ما دفعه لفرض الضرائب الجمركية. فعندما رأى أن أمريكا تعاني من عجز مع الصين بمقدار 200 مليون دولار، يقوم برفع الضرائب على الواردات الصينية، معتقدًا أن هذا سيساهم في حل المشكلة. لكن الدكتور حسن استنكر هذا الرأي وأكد أن العجز في الميزان التجاري ليس له علاقة بالضرائب الجمركية التي فرضها ترامب. بل السبب الرئيسي يكمن في أن الكفاءة الإنتاجية للمواطن الأمريكي أقل من الكفاءة الإنتاجية للمواطن الصيني. والدليل على ذلك هو معدلات الادخار، حيث يتراوح معدل الادخار في أمريكا بين 3.4% و 4.6%، بينما في الصين يصل إلى 44%. فزيادة رأس المال تأتي من الاستثمار، والاستثمار يعتمد بشكل كبير على الادخار.

وفي استجابة لسؤال حول ما إذا كان الدولار سيتراجع عن هيمنته، أجاب الأستاذ الدكتور حسن علي أنه كما لوحظ في تراجع الدولار. وكان سبب هذا التراجع هو تزعزع الثقة وعدد من العوامل الاقتصادية التي أصبحت تتحدى هيمنته، منها: ارتفاع الديون الأمريكية، عدم الاستقرار المالي داخل أمريكا، عدم الالتزام بالميزانية، واستخدام الدولار كأداة سياسية. وهنا حذر الأستاذ حسن من استخدام أي أداة اقتصادية كسلاح سياسي، حيث يؤدي هذا فقدان القدرة على استخدام هذة الأداة مرة أخرى، مما يدفع الناس إلى التفكير في بدائل أخرى. وهو ما حدث من قبل عندما تم استخدام قناة السويس كسلاح سياسي، فبدأت الدول تبحث عن بدائل مثل طريق رأس الرجاء الصالح والقناة البديلة وغيرها.

من رأي الأستاذ حسن، أن أول ما أدى إلى زعزعة الثقة في الدولار كان استخدامه في العقوبات. وهذا دفع العديد من الدول إلى التفكير في إنشاء عملات رقمية وأنظمة منافسة لنظام الدولار الأمريكي، مثل البريكس، في محاولة للهروب من هيمنة الدولار وتجاوز هذه العقوبات. بالإضافة إلى ذلك، فإن التقلبات الحادة في الأسواق المالية وفقدان الثقة كملاذ آمن، دفع البنوك المركزية إلى التوجه نحو الذهب. كل هذه العوامل أدت إلى زعزعة هيمنة الدولار، حيث انخفضت الاحتياطيات العالمية بالدولار من 77% إلى 59%. وفي النهاية، أضاف الأستاذ حسن أنه لا يزال من المبكر للغاية على اليوان الصيني أو العملات الرقمية الأخرى أن تحل محل الدولار، على الأقل لمدة 20 عامًا قادمة. ففي الوقت الراهن، لا يزال اليوان الصيني يمثل حوالي 2.5% فقط من الاحتياطيات العالمية، ويحتاج إلى الكثير من الوقت والصفات السابقة التي تم ذكرها ليصل إلى 60%. وأضاف أن العولمة ستتحول إلى "أقلمة"، أى الإقليمية. واختتم حواره بالقول إن ترامب هو أسوأ ما حدث لأمريكا، بل للعالم كله، إذ استطاع أن يُخرج من الأمريكيين أسوأ ما فيهم. فهو يتعامل بعقلية المقاول، لكنه يمتلك روح المقاومة.

شارك الأستاذ الدكتور جودة عبد الخالق عبر "جوجل ميت"، وبدأ تعقيبه على مقولة ترامب: "سأجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، وكان رده بكلمات من أغنية أم كلثوم "فات المعاد"، قائلًا: "لو عايزنا نرجع زي زمان، قول للزمان ارجع يا زمان".
فكانت بداية فنية، لكنها فلسفية بامتياز، حيث أشار إلى أن الحاضر هو حصاد الماضي، وأنه لا يوجد مواطن أمريكي يجمع بين الكسب والاقتصاد في الاستهلاك والقدرة العالية على العمل والإنتاجية. كما أوضح أن الحكومة الامريكية لا تراعى الانضباط المالي. موضحا ان أمريكا تمر بالطور الخامس من الأطوار الخمسة لتطور الدول التى ذكرها ابن خلدون، وهو طور الإسراف والتبذير.

ثم تطرق الدكتور جودة إلى أدوات الهيمنة الاقتصادية الأمريكية، والتي تتجلى في أربعة محاور رئيسية:

  1. الدولار كعملة ارتكاز عالمي.

  2. نظام "سويفت"، وهو جمعية الاتصالات المالية بين البنوك حول العالم. ورغم أن هذه الجمعية منظمة عالمية لا تملكها الولايات المتحدة، إلا أن نفوذ الفيدرالي الأمريكي عليها قوي لدرجة مكّنت الحكومة الأمريكية من استخدامها لفرض عقوبات اقتصادية على دول مثل روسيا وإيران وغيرها.

  3. الضرائب الجمركية، كوسيلة لحماية الاقتصاد الأمريكي والضغط على الاقتصادات المنافسة.

  4. الصفقات التجارية، التي تستخدمها الولايات المتحدة لتحقيق مكاسب استراتيجية واقتصادية.

 

تحدث الأستاذ الدكتور جودة عبد الخالق عن العولمة، مشيرًا إلى أنه منذ أكثر من 80 عامًا بدأت مرحلة انتقالية في إدارة الشأن الاقتصادي العالمي، حيث انتقلنا من نظام تعددية الأطراف إلى نظام محدودية الأطراف وفي هذا السياق، أشار الدكتور حسن إلى مفهوم الأقلمة باعتبارها أحد أشكال محدودية الأطراف، حيث بدأت تكتلات اقتصادية بالظهور، خاصة في شرق آسيا وأوروبا ومناطق أخرى. مشيرًا إلى أن المرحلة الانتقالية تعنى أن مركز الثقل الاقتصادي يتجه تدريجيًا نحو الشرق. فبدلًا من القرن الأطلسي، نحن مقبلون على القرن الآسيوي.

وبالانتقال إلى الوضع في مصر، أقر الدكتور جودة بأن الاقتصاد المصري يعتمد على عدة أشكال من الريع، منها: الريع الاستراتيجي، وريع الموارد الطبيعية، وريع الموقع الجغرافي، مثل قناة السويس وأكد أنه لا ينبغي توقع تحقيق نفس العوائد من قناة السويس كما في الماضي، نظرًا للتغيرات المناخية التي باتت تتيح الملاحة في مسارات جديدة أقصر للتجارة بين الشرق والغرب. وأشار أيضًا إلى وجود أعداء فى المنطقة، بما في ذلك بعض الدول العربية، ملقبا اياهم بالاعدقاء، يحاولون خلق ممرات بديلة تربط الشرق بالغرب، مما يشكل تهديدًا استراتيجيًا لمكانة قناة السويس. وأكد الدكتور جودة أن قناة السويس لا مستقبل لها كمجرد ممر ملاحي، لكنها تظل ذات أهمية كبرى من الناحية الجيواستراتيجية، مشددًا على الفرق الجوهري بين الأهمية الاقتصادية والأهمية الاستراتيجية.

ثم انتقل إلى الحديث عن الوضع الأمريكي، موضحًا أن الورطة التي يعيشها المجتمع الأمريكي تتمثل في قلة الادخار، وهي مشكلة تعاني منها مصر أيضًا، حيث نستورد أكثر مما ننتج. وأن كل ما يحدث في مصر، اقتصاديًا، اجتماعيًا، أو سياسيًا، مرتبط بالدولار الأمريكي، وهو ما يستدعي التفكير الجاد في فك الارتباط بين الجنيه المصري والدولار الأمريكي.
كما حذّر من فتح الأبواب على مصراعيها أمام رؤوس الأموال الساخنة، والتي يمكن أن تغادر البلاد فجأة، كما حدث في عام 2022، مؤكدًا ضرورة وضع ضوابط صارمة لهذا النوع من الاستثمارات.

واختتم الدكتور جودة حواره بتوجيه الشكر للحضور على حسن الاستماع.

فتحت الدكتورة عادلة باب الأسئلة، وتلقت استفسارات من كلٍ من منصة "جوجل ميت" ومن السادة الحضور في القاعة. ومن أبرز الأسئلة التي طُرحت:

  • طُرح سؤال حول: تقييم القيمة الاقتصادية لقناة السويس، والاستثمارات الإماراتية في المنطقة؟ وهل يمكن للأعدقاء أن يؤثروا عليها؟

أجاب الأستاذ الدكتور جودة بأنّه لا يجوز أن نوكل شؤوننا للأجانب، مؤكدًا أن تطوير قناة السويس لا يجب أن يتم عبر توكيل الأمر لجهات أجنبية. وشدد على أن الأهمية الاستراتيجية لقناة السويس كممر مائي قائمة على المدى الطويل، ولكن القيمة الاقتصادية لها كمجرى ملاحي خالص بدأت تتراجع، وذلك نتيجة التحولات طويلة الأمد الجارية في الاقتصاد العالمي.

  • لماذا تسعى كل الدول لإنتاج الشيء نفسه، وتحرص على بقاء العولمة رغم أن احتياجاتها ومواردها تختلف؟

في هذا السياق، حث الدكتور حسن علي على أهمية التكامل الاقتصادي، موضحًا أنه أفضل بكثير من التنافسية، خاصة في عالم متعدد الموارد والاحتياجات.

  • هل يمكن للعولمة أن تتراجع، خاصة أن الحكومة الأمريكية وحدها هي من تراجعت عن دعمها، في حين ما زالت الحكومتان الصينية والأوروبية مؤيدتين لها؟

جاءت الإجابة بأن التراجع عن العولمة والتوجه نحو الإقليمية جاء نتيجة الاضطرابات العالمية، مثل الحروب، ومشكلات سلاسل الإمداد، وغيرها. وأضاف الأستاذ الدكتور جودة أن الثقل الاقتصادي العالمي لم ينتقل كليًا بعد، وإنما ما زال في مرحلة انتقال.

وفي ختام الندوة، قدّمت الدكتورة عادلة شكرها للأستاذ حسن والأستاذ جودة على مشاركتهما القيمة، كما شكرت الحضور الكريم، وأعلنت انتهاء الندوة.