تحرير: هنا
شريف البدري
في يوم الثلاثاء الموافق 8
أبريل 2025، عقدت ندوة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة
القاهرة تحت عنوان "مصر والاتحاد الأوروبي عبر مسيرة اقتصادية
وسياسية ممتدة ". أدار الحوار أ.د ممدوح اسماعيل أستاذ بقسم
الإدارة العامة بكلية االقتصاد والعلوم السياسية بجامعة
القاهرة ووكيل الكلية لشؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة ،
باستضافة السيد السفير رؤوف سعد مساعد وزير الخارجية ، وسفير
مصر الأسبق في بروكسل و موسكو.
وقد
عقدت هذه الندوة
في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بحضور نخبة من الأساتذة
والطلاب المهتمين بهذا الشأن، من بينهم الأستاذة الدكتورة
سميحة فوزي، أستاذة الاقتصاد ووزيرة التجارة والصناعة سابقًا،
والأستاذ الدكتور عطية حسين أفندي، أستاذ متفرغ ورئيس مجلس قسم
الإدارة العامة الأسبق، ومعالي السفير الدكتور خير الدين عبد
اللطيف، مساعد وزير الخارجية المصرية الأسبق.
استهل
أ.د ممدوح إسماعيل الندوة بالترحيب بالحاضرين والتأكيد على
الدور الرائد في تطوير أنشطة رائدة تنمّي المجتمع الراقي
وبيئته، وتدعم القرار الصائب لصانعه، وتبني الوطن الراسخ
وقاطنيه، وتنطلق من رؤية محددة، وهي أن تكون من أفضل جامعات
الجيل الرابع في مجالات التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع،
على غرار نظيراتها في الجامعات الدولية المرموقة.
ثم أشار
إلى أن سيادة السفير هو خير من يتحدث عن العلاقات الممتدة بين
مصر والاتحاد الأوروبي، كونه يشغل حاليًا منصب رئيس المكتب
الوطني لتنفيذ اتفاقية المشاركة بين مصر والاتحاد الأوروبي.
بدأ سيادة السفير رؤوف سعد
حديثه بالإشارة إلى أن المرحلة الحالية من أخطر المراحل التي
يمر بها التاريخ في ظل التقلبات التي يمر بها العالم كله وأن
ما نعيشه
الآن، وفقا له، حرب عالمية
ثالثة وسوف تقود العالم على نفس النمط الذي تم في الحربين
الاولى والثانية وأن الأمم المتحدة الآن تكاد تقترب من مرحلة
العجز والضعف التي مرت بها عصبة الأمم. وقال بأن الإتحاد
الأوربي يمر بمرحلة دقيقة جدا إما إنها تؤدي إلى تماسك أو
تفكك.
ثم انتقل للحديث عن العلاقات
بين مصر والاتحاد الأوروبي، مشيرًا إلى سياسة الجوار
الأوروبية، ومؤكدًا على تعزيز الاستقرار والأمن في المناطق
المجاورة للاتحاد الأوروبي. وأشار إلى التحديات المشتركة
الناتجة عن البعد الجغرافي المحدود مثل الهجرة غير الشرعية
والإرهاب، وأكد ضرورة توازن المبادئ الأوروبية مع الواقع
السياسي والضغوطات الداخلية، مشيرًا إلى دور مصر كشريك
استراتيجي.
ثم
انتقل للحديث عن مؤتمر مدريد للسلام، حيث تم طرح مشروع تنمية
محور قناة السويس من جانب الاتحاد الأوروبي عام 1991، كجزء من
رؤية أوروبية تهدف إلى تحقيق السلام الاقتصادي الإقليمي. وأوضح
السفير رؤوف سعد، بصفته رئيس وفد مصر في مجموعة عمل التعاون
الإقليمي المنبثقة عن مؤتمر مدريد للسلام والمفوض الإقليمي
لإنشاء بنك الشرق الأوسط، أنه كان من المدافعين عن ضرورة ربط
التنمية الاقتصادية بالسيادة الوطنية، وذلك لما لها من أهمية
جيوسياسية واقتصادية كبيرة.
وأضاف
أن التركيبة الجغرافية التي تربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط
وتصل المنطقة بالمحيط الهندي تعتبر فريدة على مستوى العالم،
وأن تطوير هذه المنطقة بشكل جيد يمكن أن يسهم في زيادة
الاقتصاد المصري بنسبة 20%. وأكد على أهمية بذل جهود أكبر لفهم
التحديات والفرص الاستثمارية المتاحة، مع ضرورة تغيير خريطة
الملاحة والتجارة في المنطقة.وقال
إن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس تعد بمثابة "رئة اقتصادية
وتجارية" للاتحاد الأوروبي، حيث يمكن للمصانع والخدمات
الأوروبية أن تنتقل إليها وتخدم دول الخليج وشرق أفريقيا وجنوب
آسيا.
وأشار
السفير إلى أن النقاشات الرسمية حول المشروع قد تأجلت، ولكن
الرؤية الأوروبية قد أثرت على خطط مصر المستقلة لتطوير المحور.
كما تحدث عن "مبادرة برشلونة" لعام 1995، التي تهدف إلى تعزيز
التعاون بين ضفتي البحر المتوسط، حيث أصبح الاهتمام الأوروبي
بمشروعات البنية التحتية والتكامل الاقتصادي يتزايد، خاصة
مشروع تنمية قناة السويس، نظرًا لموقعها الاستراتيجي.
وأضاف
السفير أن هذه المبادرة تطورت من مفهوم الاستقرار والسلام إلى
مفهوم جديد، وهو اتفاقيات المشاركة التي تشمل اتفاقيات رأسية
بين الاتحاد الأوروبي ودول جنوب وشرق المتوسط، وأخرى أفقية بين
دول الجنوب والشرق. كان الهدف أن تلتقي هذه المحاور في مرحلة
متقدمة، لتشكيل أكبر منطقة تجارية حرة في العالم يعمها السلام
والاستقرار، ولكن هذا الهدف لم يتحقق. ورغم ذلك، استمرت
الاتفاقيات، حيث بلغ حجم التجارة بين مصر والاتحاد الأوروبي 37
مليار يورو، مع زيادة ملحوظة في الصادرات المصرية.
كما
تحدث السفير عن الإعفاء الجمركي الذي استمر حتى عام 2019،
مشيرًا إلى أنه لم يحقق الأهداف المرجوة، حيث كان الهدف من
الإعفاء هو تمكين مصر من تطوير صناعة السيارات بين 2004 و2019،
وليس مجرد تجميعها.
وفيما
يخص العلاقة بين مصر والاتحاد الأوروبي بعد ثورة 25 يناير، أكد
السفير أن الاتحاد الأوروبي اعتبر الثورة رد فعل ديمقراطيًا،
وأيدها، دون إدراك تام للظروف المحيطة بها. ورغم التوترات
الأولية في العلاقات، إلا أن الاتحاد الأوروبي سرعان ما أدرك
أهمية دور مصر التاريخي والجغرافي في المنطقة. وكان للسفير دور
بارز في تهدئة هذه التوترات من خلال الانخراط في حوارات
استراتيجية مع المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي.
انتقل
السفير للحديث عن الازمات التي واجهها الاتحاد الاوربي بدأ من
ازمتي كورونا و بريكست مرور بأزمة أوكرانيا التي نزفت الخزائن
الأوربية و القى الضوء على التسلط الأمريكي على قارة أوروبا
عسكريا عبر حلف شمال الأطلسي ( ناتو ) الذي يضم حلفاء عسكريين
من خارج قارة أوروبا مشيرا إلى النزاع الحاد الذي يدور بين
إدارة الولايات المتحدة الحالية ودول الاتحاد حيث يطالب الرئيس
الأمريكي الناتو بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 5 % ودعوة الرئيس
الأمريكي دونالد ترامب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أنه
يجب على الدول الأوروبية غير الاعضاء أن تتحمل قدرا أكبر من
اعباء الدفاع الجماعي عن نفسها. وقال سيادة الوزير أن تقديره
ان بريطانيا (التي تمثل الوجه الثاني للولايات المتحدة في
الإتحاد أكثر منها دولة أوربية) سوف تعود الى الاتحاد
الأوروبي. أضاف السفير أن الوضع الحالي فيه هزة أخرى حيث تمر
ألمانيا بأزمة اقتصادية وانهم قرروا إنشاء صندوق مالي بقيمة
500 مليار يورو من أجل الإنفاق على الدفاع وعلى البنية الأمنية
التحتية وعلق اننا بصدد الدخول إلى مستقبل غير محدد، ولكن
بالرغم من كل الصعوبات والمشاكل التي يمر بها الأتحاد الأوربي
فأنه متواجد في كل منطقة في العالم.
وفي
ختام حديثه، أشار سيادة السفير رؤوف سعد إلى أننا نعيش الآن في
ما يُطلق عليه "عصر المناخ"، محذرًا من أن مصر قد تكون من أكثر
الدول تعرضًا لتداعيات تغير المناخ، لما لذلك من تأثير مباشر
على قطاعات عديدة، من بينها الاقتصاد الدائري، مما ينعكس على
العلاقات الاقتصادية الدولية. شكّل الاتحاد الأوروبي أحد أبرز
الفاعلين العالميين في مواجهة أزمة المناخ، وقد جعل من التحول
الأخضر ركيزة مركزية في سياساته الداخلية والخارجية. عمل
الاتحاد على وضع سياسات صارمة ومتكاملة للحد من انبعاثات
الكربون، وتشجيع الطاقة النظيفة، وتحقيق التنمية المستدامة.
وتحدث سيادة السفير عن "الصفقة الخضراء الأوروبية" التي أطلقها
الاتحاد الأوروبي في عام 2019، بهدف أن تصبح أوروبا أول قارة
خالية من الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2050، وذلك من خلال
خفض الانبعاثات الناتجة عن الوقود الأحفوري، وتشجيع التحول نحو
مصادر طاقة بديلة. وشدّد على أهمية متابعة التطورات في مجال
الهيدروجين الأخضر، خاصة أن مصر تطمح لأن تصبح مركزًا إقليميًا
للطاقة النظيفة، مما يفتح آفاقًا جديدة للتعاون مع الاتحاد
الأوروبي في هذا المجال.
واختُتمت الندوة بجلسة تفاعلية
من الأسئلة والمناقشات بين الحضور وسيادة السفير رؤوف سعد، حيث
أُتيحت الفرصة للطلاب والأساتذة لطرح تساؤلاتهم والتفاعل
المباشر مع محاور الندوة، مما أضفى على اللقاء طابعًا حواريًا
ثريًا ومفتوحًا.
جاءت
ندوة "مصر والاتحاد الأوروبي عبر مسيرة اقتصادية وسياسية
ممتدة" لتسلط الضوء على تشابك العلاقات بين الطرفين في ظل
تحديات إقليمية ودولية معقدة. من خلال مداخلات السفير رؤوف
سعد، اتضح أن العلاقة ليست مجرد شراكة اقتصادية، بل هي امتداد
لتاريخ من التفاعل السياسي والاستراتيجي المشترك، يتطلب
إدراكًا دقيقًا للتوازن بين المصالح الوطنية والتطورات
العالمية.
وقد
مثّلت الندوة منصة ثرية لمناقشة قضايا محورية، بدءًا من سياسة
الجوار الأوروبية، ومشروع تنمية محور قناة السويس، وصولًا إلى
التحولات المناخية والصفقة الخضراء الأوروبية، وكلها ملفات
تبرز أهمية دور مصر كشريك إقليمي فاعل في محيطها
الأورو-متوسطي.
|