تحرير:
زياد محمد محمود -الفرقة الرابعة -اقتصاد
عُقدت ندوة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة،
كانت بعنوان "الذكاء الاصطناعي: تحديات أمنية وفرص تنموية".
أدارت الحوار أ.م.د هالة الرشيدي، مديرة مركز الدراسات والبحوث
السياسية، بمشاركة اللواء الطيار الدكتور هشام الحلبي، مستشار
الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا، وأ.د رباب الشريف، عميدة
كلية الدراسات العليا للنانو تكنولوجي بجامعة القاهرة. استعرضت
الندوة التحديات والفرص التي يقدمها الذكاء الاصطناعي في
المجالات الأمنية والتنموية، مما أثار حوارًا معمقًا حول
الآثار المحتملة لهذه التكنولوجيا على المجتمع والدول..
تناول اللواء هشام الحلبي في خلال كلمته، تأثير الذكاء
الاصطناعي على الحروب الحديثة والأمن القومي. حيث أوضح أن
تزايد استخدام الأنظمة غير المأهولة، مثل الطائرات والسفن
الذاتية التشغيل، أصبح سمة من سمات الجيوش الحديثة، وذلك بفضل
قدرتها على تنفيذ مهام معقدة دون الحاجة إلى تدخل بشري مباشر.
وتتميز هذه الأنظمة بكفاءتها العالية وتكلفتها المنخفضة، ما
يجعل استخدامها مغريًا للغاية. ومع ذلك، يكمن التحدي في
استقلالية هذه الأنظمة وقدرتها على اتخاذ قرارات مصيرية مما
يثير قضايا تتعلق بالسيطرة والأخطاء المحتملة التي قد تنجم عن
هذا التحدي الخطير. أضاف اللواء الحلبي أن الذكاء الاصطناعي
غيَّر مفهوم الردع التقليدي، حيث يمكن للأنظمة الذكية اتخاذ
قرارات في وقت قياسي، مما يعزز من قدرة الجيوش على تنفيذ هجمات
معقدة بشكل سريع وفعال. هذا التطور في القدرات العسكرية يجعل
الحروب أكثر ديناميكية ويضيف عنصر المفاجأة الذي يصعب التنبؤ
به. لكن، ومع زيادة الاعتماد على هذه الأنظمة، يبرز سؤال حول
كيفية التعامل مع الأخطاء المحتملة في اتخاذ القرارات الذاتية،
وخاصة إذا كانت تلك الأخطاء قد تؤدي إلى خسائر بشرية أو أضرار
مادية جسيمة.
من بين التحديات الأخرى التي ناقشها اللواء الحلبي كان تأثير
الذكاء الاصطناعي في تعزيز قدرات الهجمات السيبرانية.حيث تتيح
هذه التكنولوجيا للمعتدين إمكانية تحليل واختراق أنظمة
معلوماتية متطورة، مما يضع البنية التحتية للدول مثل: استهداف
شبكات الطاقة، المواصلات، والاتصالات الأمور التي من الممكن
بدورها أن تعطل الحياة اليومية وتؤدي إلى شلل كامل في قطاعات
حيوية. كما أشار إلى أن هذه التهديدات لم تعد مقتصرة على الدول
فقط، بل امتدت لتشمل الجماعات الإرهابية التي قد تستخدم
التقنيات المتاحة في الأسواق المدنية لتحقيق أهدافها، ما يزيد
من تعقيد جهود مكافحة الإرهاب والسيطرة على الأمن العالمي
.أشار اللواء إلى أنه مع تقدم الذكاء الاصطناعي، يتسع نطاق
سباق التسلح بين الدول الكبرى التي تتسابق لتطوير أنظمة أكثر
تطورًا، مما يزيد من حدة التوترات العالمية. هذا السباق
التكنولوجي يفرض تحديات جديدة على الاستقرار العالمي ويستلزم
من الدول اتخاذ تدابير أمنية وسياسات دفاعية جديدة تتماشى مع
التطورات السريعة .
على الجانب الآخر، استعرضت أ.د رباب الشريف، عميدة كلية
الدراسات العليا للنانو تكنولوجي بجامعة القاهرة، الفوائد
الكبيرة التي يمكن أن يقدمها الذكاء الاصطناعي لدعم التنمية
وتحقيق رفاهية المجتمع. بدأت الدكتورة الشريف بالحديث عن أن
الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على التطبيقات العسكرية فقط، بل
يمتد ليكون محفزًا رئيسيًا لتحقيق الأهداف التنموية، بما في
ذلك القضاء على الفقر وتحسين الرعاية الصحية والتعليم مما يعكس
الجانب السلمي للذكاء الاصطناعي ، مما يؤكد علي ان الذكاء
الاصطناعي هو سلاح ذو حدين . أوضحت الدكتورة رباب أن الذكاء
الاصطناعي يمكن أن يسهم بشكل كبير في تحسين كفاءة القطاعات
المختلفة، مثل الزراعة، من خلال تحليل البيانات المناخية
وبيانات التربة لتقديم توصيات تساعد في تحسين الإنتاجية وتقليل
الفاقد. وتعد هذه الخطوة أساسية لتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز
الاستدامة البيئية، خاصة في ظل تزايد التحديات المناخية التي
تواجه العالم..
في مجال الصحة، شددت الدكتورة رباب على دور الذكاء الاصطناعي
في تحسين عمليات التشخيص والعلاج.فقد أكدت علي أن استخدام
تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الطبية الضخمة يساعد
في اكتشاف أنماط جديدة للأمراض وتطوير علاجات فعالة بشكل أسرع.
هذا يؤدي إلى تحسين جودة الخدمات الصحية وزيادة كفاءة
المستشفيات والمراكز الطبية، مما يعزز من قدرة الأنظمة الصحية
على الاستجابة للأوبئة والتحديات الصحية الطارئة. كما ركزت على
دور الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم. وأكدت أن التكنولوجيا
الحديثة تتيح تصميم مناهج تعليمية مخصصة تتناسب مع احتياجات
الطلاب الفردية،
مما يجعل العملية التعليمية أكثر فعالية وتفاعلية. وأوضحت أن
هذه التقنيات تعزز من فهم الطلاب للمفاهيم بشكل أعمق وتساعد في
تنمية مهاراتهم بشكل يتناسب مع احتياجات سوق العمل الحديث، مما
يعزز من فرص توظيفهم في المستقبل ويقلل من نسبة البطالة.
.
تطرقت الدكتورة رباب إلى أمر في غاية الأهمية والخطورة وهو
الآثار الاقتصادية التي قد تنجم عن الاعتماد المتزايد على
الذكاء الاصطناعي، مشيرة إلى أن هذا التحول قد يغير من طبيعة
سوق العمل بشكل جذري. فالأتمتة والذكاء الاصطناعي، رغم فوائدها
في تعزيز الإنتاجية وخفض التكاليف، قد تؤدي إلى تقلص الوظائف
التقليدية التي تعتمد على المهام اليدوية أو الروتينية. ومع
ذلك، يفتح هذا التحول الباب أمام فرص عمل جديدة تتطلب مهارات
متقدمة في مجالات البرمجة، التحليل، والتفكير النقدي، مما يشير
إلى ضرورة تطوير مهارات القوى العاملة بشكل يتناسب مع احتياجات
السوق المستقبلية .
وللتعامل مع هذا التغير، أكدت على أهمية استثمار الحكومات في
برامج تدريبية وتأهيلية شاملة، تهدف إلى دعم العمالة وتزويدها
بالمهارات الضرورية للتكيف مع التطورات التقنية. يجب أن تشمل
هذه البرامج التدريب على استخدام التكنولوجيا المتقدمة وتطوير
القدرات التحليلية والفكرية، ما يضمن جاهزية العاملين للتعامل
مع بيئات العمل الحديثة التي تعتمد بشكل أكبر على الذكاء
الاصطناعي. وأوضحت أن هذه البرامج ليست مجرد إجراء وقائي، بل
هي استراتيجية ضرورية لتعزيز استمرارية التنمية الاقتصادية
وتجنب التداعيات السلبية مثل ارتفاع معدلات البطالة. يتيح ذلك
تحويل تحديات الأتمتة إلى فرص، من خلال تجهيز الأفراد بشكل
يساهم في تحقيق التوازن بين استخدام التكنولوجيا الحديثة وضمان
توفير فرص عمل مستدامة تلبي احتياجات السوق المتطورة .
في ختام الندوة، من الممكن التأكيد علي أن الذكاء الاصطناعي هو
سلاح ذو حدين، يحمل في طياته إمكانيات هائلة للتطوير والتقدم،
لكنه في الوقت نفسه يتطلب تنظيماً دقيقاً لضمان الاستفادة
المثلى منه وتجنب مخاطره الأمر الذي أكد عليه كل من اللواء
الحلبي والدكتورة رباب. حيث أختتم اللواء هشام الحلبي كلمته
بالتأكيد علي أهمية التعامل بحذر مع تزايد استخدام التكنولوجيا
في المجال العسكري، موضحاً أن فقدان السيطرة على الأنظمة
الذكية قد يعرّض الأمن الدولي للخطر ويعزز من سباق التسلح. من
جهة أخرى، أنهت الدكتورة رباب كلمتها بالتأكيد على ضرورة
استغلال الذكاء الاصطناعي لتعزيز التنمية وتحقيق رفاهية
المجتمع، مؤكدة على دور السياسات الحكومية في إعداد برامج
تدريبية وتأهيلية تدعم القوى العاملة وتضمن استمرارية التنمية
. من الممكن أن نستخلص أن التوصية النهائية من هذه الندوة
المثمر ة كانت أن على الدول وضع سياسات تنظيمية وقوانين واضحة
تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول، بالتوازي مع تعزيز
التعاون الدولي لمواجهة التحديات الأمنية وحماية المجتمعات من
الآثار السلبية على سوق العمل. كما أُبرزت أهمية البحث
والتطوير لتحديث الأطر القانونية والأخلاقية التي تتناسب مع
تسارع التطور التكنولوجي، بما يضمن استخدام الذكاء الاصطناعي
كقوة تعزز من رفاهية الإنسان وتقدم المجتمع.
|